هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
م.حسين
مشرف
مشرف
م.حسين


ذكر
عدد الرسائل : 224
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 25/11/2007

الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة Empty
مُساهمةموضوع: الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة   الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة I_icon_minitimeالإثنين أبريل 28, 2008 3:47 pm

الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة


يتفرَّد فن العمارة، دون الفنون كافة، بتحمُّله عبء معضلة باهظة: كيفية الموازنة الدقيقة والتحكيم المحايد، الناجح، بين "الوظيفي" و"الجمالي" في صراعهما المصيري ضمن وحدتهما في العمل الفني، باعتبارهما مكوِّنيه الأساسيين المطلقَي الضرورة.

لا ننكر، بداهةً، أن جميع الفنون الأخرى تواجه هذه المعضلة المعقدة هي الأخرى. إلا أن مسؤولية الفنان المعماري تبدو لنا أعظم وأكثر جسامة مقارنةً مع غيره من الفنانين، فتستوجب، بالتالي، جهدًا استثنائيًّا لا نجده لدى غيره. فهي عند الفنان التشكيلي أو الشاعر أو الراقص أو الموسيقار أو غيرهم من المبدعين تتخذ، في أعقد الأحوال، شكل همٍّ وقتيٍّ لذيذ أو حيرة تَرِفَة تحوم حول كيفية خلق، أو ضمان خلق، التوليفة النموذجية بين الوظيفي والجمالي.

أما الفنان المعماري فتتلبَّس المعاناةُ لديه صيغةَ محنة حقيقية أو ضريبة قَدَرية تقع على كاهله وحده. وهذه المحنة تحرمه من الكثير من الامتيازات التي يتمتع بها غيره، كامتياز الاستغراق المبكر في الحلم أو البهجة مثلاً. وهذه الامتيازات متأتية أصلاً من طبيعة الفنون الأخرى ومن كمية الحرية التي توفرها للفنان في مجرى عملية تَعامُله مع أدواته التعبيرية ومواده الأولية، سواء كانت هذه ألوانًا أو تكوينات أو مفرداتٍ أو دندنات. فعلى العكس من جميع الأعمال الفنية الأخرى، وحده العمل المعماري يجب أن يتحلَّى بالحدِّ الأكبر من "المنفعة"، أولاً، ثم بالحدِّ الأعلى من الجمالية، ثانيًا.

في عبارة أخرى، إذا كان الوظيفي يتراجع دائمًا أمام الجمالي في الفنون المختلفة، فإن الجمالي هو الذي يتراجع أمام الوظيفي في العمارة. هذه الحال تجعل فن العمارة – بمعنى ما – أشرف الفنون وأعفها وأنبلها وأجلَّها. هنا بالتحديد تكمن التراجيديا الاستثنائية لهذا الفن – ونقول "التراجيديا" لأن الشرف والعفة والنبل والجلال هي في الفن سلاسل. والحال إن السلاسل، حتى إذا كانت من ماء ورد، تكبِّل الشفافية التي هي روح الفن.

إن تفسير هذه المحنة يمكن تلمُّسه إجمالاً في اجتماع الأسباب العديدة التالية معًا:

1. فن العمارة هو الفن الوحيد الذي يرغم نتاجاتِه الإبداعيةَ على تلبية وظيفة عملية مباشرة (مادية أو روحية) لا علاقة لها بالفن، لا من قريب ولا من بعيد، هي الحماية (في مواجهة الطبيعة) في العمارة المدنية، والإيحاء بالجبروت (أمام الأعداء) في العمارة العسكرية، وإخضاع المقيد الجزئي للمطلق الكلِّي مما يجعل الفنان المعماري مرغمًا على الاستجابة لضغوط الغائية وشروط العرض والطلب، لأن لضمان إنجاز هذه الوظيفة الأولويةَ في الوعي الإبداعي للفنان المعماري، بما هي وظيفة لا يمكن له تجاوُزها أو تأجيلها إلا على سبيل الاستثناء النادر.

2. العمارة هي الفن الوحيد الذي يتعامل مع مواد أولية ذات هياكل ضخمة، ومع روحية صارمة تتضارب مع روحية الفن الرحيمة. فالحرية التي توفِّرها الصخور والجذوع والألواح الكونكريتية (الإسمنتية المسلَّحة) هي حرية حبيسة؛ كما أن المساحة التي يتحرك عليها الجمالي هي دائمًا محدودة، سواء كانت خارجية أو داخلية، في موقعها ضمن العمل الفني.

3. العمارة هي الفن الوحيد الملزَم بالتعامل مع الفضاء والطبيعة الخارجية، بما فيها النجوم والشمس والقمر، كما لو كانت جزءًا لا يتجزأ من "اللوحة" الفنية، في حين أن هذه العناصر عصية على تحكُّم الفنان بطبيعتها وطباعها.

4. إن العمارة هي الفن الوحيد الذي لا يشاكس العلوم أو يتدلَّل عليها، وخصوصًا علم الهندسة. والحال إن العلوم هي مخلوقات من كوكب آخر غير كوكب الفن. المعماري – استنتاجًا – هو المبدع الوحيد الممزَّق داخليًّا إلى نقيضين متصارعين: المعماري كمهندس، كحرفي، والمعماري كفنان.

5. العمارة هي الفن الوحيد الذي يخاطب العقلانية والجدية والالتزام والجماعية فنيًّا، ولا يخاطب العبثية والذوقية والفردية والحلم إلا لمامًا، في حين أن هذه الأخيرة هي عناصر جوهرية في فعل الخلق الذي هو، في أحد تعريفاته الجوهرية، تمرُّد.

إن اجتماع هذه الخصائص في فنِّ العمارة، دون غيره من الفنون، يغرينا أحيانًا بالاستنتاج بأنه فن يتموضع في منطقة خطيرة وحدودية من دولة الفن، على الرغم من أنه أقدم الفنون على الإطلاق وأكثرها حيوية، إلى جانب الشعر والرسم والموسيقى بالطبع. فلزوم أولوية الوظيفي هي ظُلْم ما بعده ظُلْم بحقِّ الجمالي، يحرص الفنان المعماري على التصدي لهما دائمًا؛ ولذا تجده مهمومًا أكثر من أيِّ فنان آخر. فحتى لا يتحول المعماري من فنان إلى "حرفي"، عليه أن يتناطح صراعًا مع الوظيفي بحثًا عن مساحات جديدة يستعملها الجمالي كرئتين له في الصرح الفني. وهذا التناطح أو الصراع هو، في وجه من وجوهه، بل في وجهه الرئيسي، تاريخ الفن ذاته، أي تاريخ ديناميَّته. أما محرِّك هذا التاريخ فيمكن فهمه عبر الحركيات المتشابكة التي تشكل معادلة متكاملة ومستقلة، ولا تتطلب تدخلاً خارجيًّا سوى ذلك الهادف إلى اكتشافها. وهذه الحركيات تتوالى كما يلي قدريًّا:

1. إن التطور الوظيفي في فن العمارة هو ضرورة خارجية في الأصل، مفروضة بفعل القوانين الخاصة بتطور الحياة الإنسانية العامة، ماديًّا وروحيًّا، ضمن وجودها التاريخي الملموس؛ وهو تطور كمِّي/نوعي في الوقت نفسه.

2. كلما تطور الوظيفي وأدرك أولويته على الجمالي، نزع إلى احتلال مواقع الأخير في "الصرح" المعماري.

3. كلما خسر الجمالي معركةً أو موقعًا، أبدع أساليب دفاعية/هجومية متطورة ومواقع جديدة لمواجهة الوظيفي ضمن حالته الجديدة ومكوناته الجديدة وهمومه الجديدة.

إذا تأملنا هذه السيرورة عميقًا نجدها، على الرغم من طابعها العفوي والظاهري، سيرورةً ديالكتيكية عميقة مكونة من ثلاث نقلات:

1. توليفة وظيفية/جمالية سائدة؛

2. صراع طاحن بين الوظيفي والجمالي؛ و

3. توليفة جديدة متقدمة وظيفيًّا وجماليًّا، داخليًّا وخارجيًّا.

وإذا تأملناها تاريخيًّا، نجدها تتجسد، في تاريخ فن العمارة، بظهور الرسم، ثم النحت، ثم الزخرفة، كفنون مستقلة بذاتها، بعد أن كانت جميعًا، في لحظة أو في أخرى، جزءًا لا يتجزأ من هذا الفن.

إن إثبات جميع هذه الأطروحات يتطلب، بلا شك، دراسةً واسعة لتاريخ هذا الفن، لا نمتلك المساحة، ولا راحة البال، ولا الكفاءة ربما، لإنجازها في هذه الاعتبارات المحدودة، خصوصًا أنها تحرمنا من توثيق افتراضاتنا بصور ثبوتية عديدة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
م.أحمد طبازة
المدير العام
المدير العام
م.أحمد طبازة


ذكر
عدد الرسائل : 165
العمر : 35
العمل/الترفيه : طالب هندسة مباني
تاريخ التسجيل : 21/11/2007

الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة   الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة I_icon_minitimeالإثنين أبريل 28, 2008 4:13 pm

مشكوور م.حسن علي مواضيعك الرائعة
اتمني لك مزيدا من العطاء والتقدم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عمومحمد
عضو نشيط
عضو نشيط
عمومحمد


ذكر
عدد الرسائل : 86
تاريخ التسجيل : 05/04/2008

الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة   الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 29, 2008 3:06 am

مشكور عالموضوع المفيد جدا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابن فلسطين
مشرف
مشرف



ذكر
عدد الرسائل : 67
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة   الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 29, 2008 3:11 am

لاتحرمينا من مواضيعك الرائعة م. حسين
الك كل الشكر والاحترام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مدارس العمارة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات الهندسية :: ملتقى الهندسة المعمارية-
انتقل الى: